دعه يستثّمر.. دعه يفّر
نيسان ـ نشر في 2016-01-18 الساعة 11:36
محمد قبيلات..
الحديث الرسمي المنمق عن جلب وتشجيع الإستثمارات لا يتجاوز ديباجة النصوص، ولا يراعي الأسس الحقيقية لجلب الاستثمارات التي يمكنها فعلا تشكيل إضافة نوعية للاقتصاد الوطني، فالقصة كلها مجرد يافطة ترفعها الحكومات كشعارات، ولا أحد يتابع قياس مدى تحققها على الأرض.
نحن لا نرى ولا نسمع إلا أن فلانا جاء ليستثمر في الأردن، فنسمع بعدها أن هذا الـ"فلان" قرر سحب استثماراته والمغادرة، ماذا استثمر؟ ولماذا استثمر؟ ولماذا قرر أن يغادر؟ كلها اسئلة من دون أجوبة حقيقية.
والأمثلة كثيرة وأشد بؤسا ومرارة، من العبدلي، ومن البرجين اللذين أقيما على أرض الحديقة الجميلة قرب الدوار السادس، الى مشاريع العقبة المتوقفة منذ سنوات، إلى الإستثمارات الطيارة في سوق عمان المالي، ومثلها الإستثمار في شركات الاتصالات.
لا بد هنا من العودة الى مربع الأسئلة الاول، ما هي الغاية من جلب الاستثمارات؟ وأية استثمارات نريد؟ وهل هيأنا البيئة المناسبة للاستثمار؟
ولا بد من وجود مركز له القدرة على تنسيق عمل المؤسسات الوطنية المعنية بهذا الأمر، وتهيئة التشريعات والقوانين اللازمة، فليس من المعقول دعوة مستثمرين في قطاع الطاقة الشمسية أو المياه ومشاريع البنية التحتية والمواصلات للاستثمار في الأردن، بينما الحكومة والشركات التابعة لها تحتكر العمل في هذه القطاعات؛ ما يعطل التطور في تلك القطاعات الواعدة لكل الأطراف، ويؤخر دخول الشركات الجادة والكبيرة للاستثمار في هذه المجالات وتنميتها.
خلق البيئة الاستثمارية وتنظيمها واستهداف جلب الاستثمارات الحقيقية وسط بيئة من الشفافية، هي من واجبات الحكومة المهمة والتي تسبق مواويل وموشحات الدعوات للاستثمارات.
على الحكومة أن تدرك أن عدم حضور هذه الاستثمارات أفضل من حضورها ومن ثم مغادرتها، سيما وأن معظمها استثمارات غير حقيقية، ونقصد من حيث الإنتاجية وتشغيل الأيدي العاملة، بل هي استثمارات تأتي لتنعم بالدلال الرسمي الممنوح لها، ولا أسهل عليها من الهروب في اللحظة المناسبة.
تستطيع الحكومة والجهات المسؤولة عن هذه المهمة أن تُنظم العملية بحيث تكون مجدية لكل الأطراف، وأن تكون مستمرة وليست خاطفة تستخدم تكتيكات " اضرب واهرب"، مثل ما يحدث في البورصة والاستثمارات العقارية، إذ تأتي بعض الشركات لتجري المضاربات بالأسهم أو لشراء العقارات الحكومية بأسعار زهيدة، من باب التشجيع والتشجُع، ومن ثم تبيعها بأسعار عالية لجهات رسمية فتمسي هنا ولا تصبح بين ظهرانينا، فأي قيمة مضافة يكسبها الإقتصاد من هذه العمليات؟
مطلوب الآن وبشكل جدي إعادة النظر في موضوع جلب الاستثمارات، وأن يتم تحويلها من "تكتيك" للحكومات الى "استراتيجية" وطنية.